حدد الصفحة

ضرورة إعادة النظر في التعاون بين الولايات المتحدة والصين لصالح مستقبل الرقمنة

ضرورة إعادة النظر في التعاون بين الولايات المتحدة والصين لصالح مستقبل الرقمنة

يشهد التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية تقدماً كبيراً في الوقت الحالي سواء في مجال الطب أو الطاقة أو التكنولوجيا والتعليم، مما يسهم في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030. وساهمت “ميزة الابتكار الحديث” الصينية – وهو مصطلح أطلقته مجلة هارفارد بزنس ريفيو – في دعم جهود دول المنطقة لازدهار الأعمال وتطور الخدمات ومواجهة التحديات، حيث تزايد عدد الشركات الناشئة في الصين وأهمها الشركات المتخصصة في التكنولوجيا لتصل قيمتها التقديرية على المستوى العالمي إلى 1 مليار دولار وتأخذ مكانها في لعب دور حيوي كمحرك لتطور الأعمال ومنتجات المستهلك الحديثة التي تتناسب مع الخدمات العصرية السريعة والمرنة وذات السعر الأكثر تنافسية التي ينشدها المستهلك في بلادنا. 

في الوقت ذاته، تزايدت حدة الخلافات بين الصين والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، حيث يحاول البلدان تعزيز حضورهما وإثبات قوتهما في المجتمع الرقمي. وفرضت الولايات المتحدة العديد من القيود على التجارة مع الصين والشركات الصينية تحت ذريعة الأمن القومي. وواجهت الشركات التقنية الصينية العديد من الضغوط، حيث تم إطلاق العديد من ادعاءات التجسس وسرقة البيانات لصالح الحكومة الصينية بحقها.

وشهد العام الماضي ضغوطاً متزايدة على الشركات الصينية توجت بإقرار “قانون المنافسة الاستراتيجية 2021” مؤخراً، حيث تحدث المسؤولون الأمريكيون عن الصين باعتبارها منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، متخذين موقفاً عدائياً يقوض من جديد أسس التعاون والتفاهم بينهما. وأشار العديد من الخبراء إلى حقيقة أن هذا القانون لا يخدم مسار التسوية والتفاوض بين الولايات المتحدة والصين، ويكشف حجم المخاوف الأمريكية بشأن القدرات التنافسية للشركات التقنية في الولايات المتحدة مقارنةً بالشركات الصينية الرائدة مثل هواوي التي فرضت وجودها عالمياً في مجال الحلول التقنية المتكاملة وريادة بعض التقنيات الهامة مثل الجيل الخامس، بمنأى عن أدنى منافس أمريكي.

وفي ظل الارتباط الكبير الحاصل حالياً بين السياسة والتجارة ، تعتمد الولايات المتحدة على نفوذها وسلطتها التشريعية للضغط على الشركات الخاصة التي لا تتماشى مع مصالحها التجارية والحفاظ على مستقبل ريادتها للتكنولوجيا، مما يفرض مزيداً من القيود على واقع ازدهار السوق الحرة التي طالما كانت الولايات المتحدة أحد أبرز مناصريها. 

أدركت العديد من الشركات مثل هواوي أنها هي المستهدفة من وراء العقوبات التجارية المتزايدة على الصين، وأن الهدف هو تقويض قدرتها على نشر الابتكارات ودخول مزيد من الأسواق العالمية، حيث أدت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على التقنيات الرائدة التي توفرها الشركة،كتقنية الجيل الخامس إلى الحد من قدرة هواوي على الوصول إلى العديد من المنتجات الحيوية بتقنيات أمريكية بما فيها خدمات “جوجل” للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأشباه الموصلات.

ويعتقد العديد من المحللين التقنيين أن الولايات المتحدة تستغل نفوذها لفرض عقوبات غير عادلة وغير مدروسة بشكل دقيق، ولا تخدم مسار مستقبل الابتكار التكنولوجي. ويقول العديد من الخبراء أن السبب الحقيقي للعقوبات هو رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية بالحفاظ على هيمنة الغرب على التكنولوجيا، وليس حماية الأمن القومي كما تقول الولايات المتحدة. دليل ذلك ما صرح عنه مايكل بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق في مقابلة على قناة “فوكس نيوز” حيث قال أنه يجب على أوروبا أن تمتنع عن التعامل مع هواوي لضمان “التفوق الغربي في القرن القادم”.

اليوم، أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. وبعد الانكماش الاقتصادي الذي وصلت نسبته إلى 4.9% في عام 2020، سيعود الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا إلى مستوياته المعهودة ويواصل النمو في العام الحالي وفقاً لشركة البيانات الدولية. لذا فإن مستقبل التكنوجيا في دولنا على المحك، والادعاءات التي يتم إطلاقها بخصوص مخاوف الأمن السيبراني وخصوصية المستخدم ستعرقل قدرة الدول على رسم مستقبل أكثر اتصالاً وازدهاراً يكون فيه الابتكار المشترك العامل الأكثر بناءً، فيما تتيح المعايير والأبحاث على المستوى العالمي للمؤسسات في المملكة العربية السعودية وسائر بلدان العالم اتخاذ القرارات المناسبة التي تحقق مصالح نهضتها وتطورها الاجتماعي والاقتصادي.

الانتعاش الاقتصادي في فترة ما بعد الجائحة يعتمد على توفير الخدمات الرقمية التي برزت أهميتها على مدار العام الماضي خلال أزمة كوفيد-19. وقد تؤدي العقوبات الأمريكية على الشركات التقنية الصينية الهامة إلى منع المؤسسات والشركات في مختلف الدول من الحصول على التقنيات التي تحتاجها لدفع عجلة التعافي الاقتصادي. وتعتمد العديد من المؤسسات في السعودية على الشركات التقنية الصينية التي تتمتع بالخبرة لتنفيذ العمليات المهمة، إذ تُعتبر الصين واحدة من أهم الشركاء الذين يتعاون معهم المملكة العربية السعودية.

السياسات التجارية العدائية مثل “قانون المنافسة الاستراتيجية” قد لا تحقق أهداف الولايات المتحدة في الحد من الابتكارات الصينية، بل يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تسعى الشركات الصينية إلى إدارة سلسلة التوريد بشكل كامل من خلال التوجه لنهج الاعتماد على الذات، مما يُفقد الشركات الأمريكية واحدة من أهم الأسواق الرئيسية. ويُعتبر قطاع أشباه الموصلات واحداً من الأمثلة الحية على ذلك، حيث تبذل الصين جهوداً كبيرة لتطوير تقنيات بديلة للرقائق الإلكترونية الأمريكية بعد الحظر التجاري الذي تم فرضه مؤخراً على حصول الشركات الصينية على منتجات أشباه الموصلات بتقنية أمريكية. كما عانت العديد من الشركات – وحتى الأمريكية منها – التي تنتج السيارات الذكية والأجهزة الإلكترونية المخصصة للمستهلكين من النقص في سلسلة التوريد العالمية.

أما بالنسبة للشركات الصينية الكبرى مثل هواوي، فلم تمنعها العقوبات الأمريكية من التركيز على النمو واستكشاف فرص جديدة. ففي عام 2020، عززت هواوي استثماراتها في البحث والتطوير ليصل أنفاقها في هذا المجال إلى 21.8 مليار دولار، متفوقة بذلك على الشركات الامريكية والغربية. وتكثف الشركة جهودها لإيجاد البدائل لأشباه الموصلات بتقنية أمريكية وغيرها. كما أطلقت مجالات أعمال جديدة لها مثل السيارات الكهربائية، مما يعكس مرونة خططها المستقبلية وحرصها للوصول للاكتفاء الذاتي بعيداً عن أية معوقات ترتبط بالعقوبات الأمريكية. 

حتى في الولايات المتحدة، اتخذت العديد من الشركات مثل “جوجل” موقفاً واضحاً ورافضاً لحظر هواوي من خدماتها لأنها فقدت بذلك واحداً من عملائها الرئيسيين اللذين ساهموا على مدى سنوات بتطوير نظام آندرويد وخدماته. في الوقت ذاته، نرى هواوي جادة في إيجاد البديل لخدمات جوجل حيث أطلقت  نظامها التشغيلي “هارموني” في الصين وسيتم إطلاقه عالمياُ خلال الفترة الوجيزة المقبلة. ويرى العديد من المحللين بأن هذا النظام الجديد لايستهدف الجوالات فقط، بل هو نظام متكامل للربط بين كافة الأجهزة الذكية والإنسان، بما فيها السيارات ذاتية القيادة، ويمثل مستقبل الربط بين الإنسان والآلة. وخارج الولايات المتحدة، حاولت الشركات ومنها المنافسة لهواوي مثل “إريكسون” إقناع السلطات السويدية بإلغاء الحظر المفروض على تقنيات الجيل الخامس التي توفرها هواوي.

أصبح من الواضح بالنسبة للمراقبين المحايدين أن هدف السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة استمرار هيمنتها الاقتصادية والتكنولوجية، وليس حماية الأمن القومي. ويكمن الخطر الأكبر في أن الخلافات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين قد تؤدي إلى حدوث انقسام عالمي تقف فيه كل دولة إلى جانب واحد من الطرفين، مما ينتج عنه تزايد الفجوة الرقمية في العديد من الدول وتعكير صفو التطور التكنولوجي في وقت تبرز فيه الحاجة ماسة للتعاون الدولي المفتوح والقائم على العلم والحقائق لتعزيز مسيرة الانتعاش الاقتصادي والتطوير الاجتماعي. لذا، تتجه الأنظار إلى إدارة الرئيس بايدن وما ستتخذه من إجراءات يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات مع الصين.

عن المؤلف

زامل صفوان

كمهندس اتصالات مخضرم ذو خلفية متنوعة، أجلب خبرة واسعة إلى مجال أخبار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تتجاوز خبرتي حدود الاتصالات التقليدية، ممتدة إلى مجالات التحول الرقمي، الإعلان عبر الإنترنت، التجارة الإلكترونية، والشركات الناشئة. أمتلك روحاً ريادية قوية، معززة بفهم عميق لقطاع التكنولوجيا المالية، حيث تلتقي التكنولوجيا بالمالية. تتيح لي هذه المزيج الفريد من المهارات تقديم وجهات نظر ثاقبة ومستنيرة حول تقاطع الأمور المالية والتكنولوجيا والاتصالات في المشهد الرقمي المتطور بسرعة.

اخر الأخبار

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com