حدد الصفحة

المراحل العشر لإنجاز التحول الرقمي الشامل في شركات الاتصالات

المراحل العشر لإنجاز التحول الرقمي الشامل في شركات الاتصالات

بقلم: مارتن كرينر، مستشار وكبير استراتيجيات التحول الرقمي في  مركز بحوث الأعمال في هواوي (Huawei SPO Business Research Lab) ، وكاتب كتاب “التحول الرقمي لشركات الاتصالات” (Transforming the Telco)

24 فبراير2021

تروي حكاية قديمة قصة مجموعة من الأشخاص الكفيفين كانوا يتفحصون بأيديهم فيلاً ليعرفوا ما نوع الحيوان الذي يقف أمامهم. وقام كل واحد منهم بلمس الفيل في جزء مختلف من جسمه فتوصلوا إلى نتائج مختلفة وفقاً للجزء الذي لامسه كل منهم: الجذع، الأنياب، الساق، والذيل وغيرها. فمنهم من قال أنه ثعبان وقال آخرٌ بأنه ثور، فيما أكد الثالث أنه مجرد جدار وقال واحد أنه حبل. وعلى الرغم من أن القصة تعود إلى 2000 عام قبل الآن، إلا أنها ما زالت تعبر عن حقيقة نعيشها في الوقت الحالي. فعندما لا نرى الصورة الكاملة، يمكن أن نتوصل إلى استنتاجات مختلفة بشكل كبير.

ويواجه التحول الرقمي نفس التحديات في مختلف القطاعات. ولأننا جميعاً نركز على المجالات التي نهتم بها، نعتبر التحول تحدٍ تكنولوجي في المقام الأول أو فرصة لتوفير خدمات رقمية جديدة أو تغيير ثقافي أو أنه يتعلق بمشاركة العملاء. ولكن التحول يشمل كل ما سبق وأكثر كذلك.

وفي كتابي الأخير بعنوان “تحويل شركات الاتصالات” (Transforming the Telco)، تحدثتُ عن المراحل العشر المميزة للتحول الرقمي والتي تشمل مختلف جوانب شركات الاتصالات، حيث تنطوي كل مرحلة على العديد من التحديات التي ينبغي على الشركات أن تواجهها لتتمكن من إنجاز التحول الرقمي الشامل.

  • المرحلة 1: من عناصر الشبكة المنفصلة إلى الاتصالات الافتراضية والبنية التحتية التي تعتمد على الحوسبة السحابية والتي تتم إدارتها بشكل مستقل.
  • المرحلة 2: من الأمان التفاعلي المخصص لمنتج معين إلى منظومة تركز على الأمان بشكل موحد.
  • المرحلة 3: من الاستغلال المحدود للبيانات إلى مؤسسة تركز على البيانات بشكل مدروس.
  • المرحلة 4: من أنظمة الإدارة المغلقة إلى نظام يوفر منصة تعتمد على واجهة مفتوحة لبرمجة التطبيقات.
  • المرحلة 5: من مجموعة محدودة من الخدمات التقليدية إلى مجموعة متنوعة من الخدمات الرقمية.
  • المرحلة 6: من إدارة مجموعة محدودة من الموردين إلى الازدهار في إطار نظام إيكولوجي ينبض بالحياة بفضل الشركاء.
  • المرحلة 7: من تشغيل مجموعة محدودة من نماذج الأعمال إلى الاعتماد على نماذج أعمال متعددة في الأسواق الأساسية والمجاورة.
  • المرحلة 8: من مؤسسة وثقافة اتصالات تقليدية إلى مؤسسة وثقافة تعتمد على التقنيات الرقمية.
  • المرحلة 9: من التركيز على القنوات التقليدية إلى الاعتماد على قنوات متعددة في السوق.
  • المرحلة 10: من إدارة أحادية البعد للعلاقات مع العملاء إلى إدارة شاملة لتجربة المستخدم توفر العديد من القنوات.
THE 10 DIGITAL TRANSFORMATION JOURNEYS OF THE TELCO 1

الشكل 1: المراحل العشر للتحول في شركات الاتصالات

سيستغرق التحول الرقمي في قطاع الاتصالات العديد من الأعوام لأنه يشمل مجالاً واسعاً من الاستخدامات وينطوي على العديد من التحديات. كما أن سرعة التغييرات التي تدفع عجلة التحول لا تتوافق مع سرعة التغييرات التي تشهدها التقنيات ونماذج الأعمال في قطاع الاتصالات. لذا، اعتمدت شركات الاتصالات برامج شاملة للتحول الرقمي ولكنها اكتشفت بعد مرور 12 شهراً على تنفيذ البرنامج أن هناك تغيرات كبيرة في القطاع التقني أو الأسواق، مما أجبرها على إعادة تقييم خطط التحول بشكل كامل.

ولكن هناك العديد من المشاريع المهمة التي تسهم في إنجاز التحول الرقمي في كل مرحلة من مراحل التحول العشرة. وعندما تدرك شركات الاتصالات الإمكانات التي تتيحها مراحل التحول، ستتمكن من تحديد النقاط التي تريد معالجتها والأجزاء التي تحاول الابتعاد عنها. لذا، تسعى جميع الشركات إلى إطلاق المبادرات التي تحقق أكبر قدر من الفائدة بأقل التكاليف والمخاطر.

وعلى مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، شهدنا تسارعاً في وتيرة التحول في بعض المراحل مثل تزويد البنية التحتية بالتقنيات الافتراضية والحوسبة السحابية (الأساسية وشبكات الاتصال اللاسلكية والحوسبة الطرفية) وتوفير تجربة مستخدم سلسة وشاملة، وتجريب مجموعة جديدة من الخدمات المخصصة للمستهلك والشركات الرقمية. ولسوء الحظ، لم نشهد تقدماً كبيراً فيما يخص التغيير الثقافي الشامل، إذ لم يتم الانتقال إلى الاعتماد على الحوسبة السحابية بشكل كامل ولم يتم تطوير نموذج أعمال شركات الاتصالات بحيث تتمكن من منافسة الجيل الجديد من مزودي الخدمات الرقمية.

تنفيذ أعمال الجيل الخامس بنجاح

التنافس على مستوى الخدمات الرقمية لا يعني مجرد القدرة على تحقيق التحول الرقمي في شركات الاتصالات. ففي واحد من الأعمال التي شاركتُ فيها مؤخراً مع شركة “كيستون كونسلتينغ” للاستشارات، أجرينا دراسة عن جدوى أعمال الجيل الخامس في عام 2025 – حيث قمنا بمقارنة الإمكانات الجديدة “للإيرادات التي تحققها الاتصالات” من خلال الجيل الخامس مع التكلفة الإجمالية لنشر وتشغيل الجيل الخامس. وتوصلنا إلى نتيجة بسيطة ولكنها كارثية، إذ أن تكاليف نشر الجيل الخامس ستكون أكبر من إيرادات خدمات الجيل الخامس التي سيتم توفيرها إلى المستهلكين والشركات في عام 2025.

وهذا يعني أنه إذا قامت شركات الاتصالات بنشر الجيل الخامس ومن ثم اتبعت نفس الخطط التي نفذتها عند نشر الجيل الثاني والثالث والرابع فلن تحقق أي عائد استثماري. وستكون الفجوة كبيرة بين “الإيرادات الجديدة التي تحققها اتصالات الجيل الخامس” وتكاليف نشر وتشغيل شبكات الجيل الخامس – إذ ستصل الإيرادات إلى 160 مليار دولار سنوياً (أي ما يعادل 6 إلى 10 بالمئة من قيمة قطاع الاتصالات).  

ولا شك أن هناك العديد من التوقعات عن واقع الجيل الخامس بحلول عام 2025 والتي تختلف عن الأرقام المذكورة أعلاه، ولكن معظم التوقعات تتفق على فكرة أساسية وهي أن نمو الإيرادات الجديدة لاتصالات الجيل الخامس سيكون أقل من تكلفة نشر وصيانة شبكات الجيل الخامس. كما أن تجربة العديد من شركات الاتصالات في إطلاق الجيل الخامس في عامي 2019 و2020 تؤكد هذه الفكرة. ولا يوجد سوى عدد قليل من الشركات التي تمكنت من طرح الجيل الخامس بأسعار أكبر من الجيل الرابع. لذا، فإن قدرة شركات الاتصالات على توفير مصادر جديدة للإيرادات بعيداً عن خدمات الاتصالات بالاعتماد على الجيل الخامس هي التي ستحدد نجاح الجيل الخامس على المدى الطويل.

البحث عن إيرادات جديدة

هناك العديد من الخطط التي تهدف إلى توفير مصادر جديدة للإيرادات “التي لا تتعلق بالاتصالات”، إذ تستكشف الشركات جميع الفرص المتاحة بما فيها الاعتماد على إنترنت الأشياء في قطاع الاتصالات والصحة الرقمية والترفيه المنزلي والألعاب والتجارة الذكية وتنظيم الفعاليات الذكية والمنازل الذكية والسيارات المتصلة وغيرها، وذلك لإيجاد مصادر جديدة لتوفير الإيرادات من خلال خدمات الجيل الخامس الرقمية من أجل جسر فجوة الإيرادات المتوقعة. ويمكن لهذه الفرص أن توفر إيرادات جيدة إذا تمكنت شركات الاتصالات من اغتنامها بشكل صحيح وبناء نظام إيكولوجي ملائم للأطراف الفاعلة من أجل توفير حلول شاملة إلى العملاء وتنفيذ المشاريع بالسرعة التي يتطلبها السوق.

ومن بين العوامل الرئيسية التي قد تتيح لشركات الاتصالات توفير هذه الخدمات الجديدة هو قدرتها على نشر قدرات الحوسبة السحابية الطرفية، سواء بشكل مباشر في القطاع المستهدف أو على حافة الشبكة بحيث يمكن للجميع الوصول إليها. ومن المتوقع أن توفر الحوسبة الطرفية العديد من القدرات الأساسية لتوفير مجموعة كبيرة من الخدمات الرقمية من الجيل الخامس إلى المستهلكين والشركات، حيث ستتاح للجهة التي تتحكم بالحوسبة الطرفية العديد من الفرص لتحقيق إيرادات جديدة.

THE 10 DIGITAL TRANSFORMATION JOURNEYS OF THE TELCO 2

الشكل 2: اهتمام شركات الاتصالات بحالات استخدام الحوسبة الطرفية  

وتعتبر خدمات الترفيه المنزلي والألعاب واحدة من أهم الأمثلة على الفرص التي توفر إيرادات جديدة، حيث تحظى الألعاب عبر الإنترنت بشعبية كبيرة ومن المتوقع أن تسهم في تزايد الطلب على جميع أنواع البنية التحتية الحديثة للشبكات من الألياف إلى الشبكات المنزلية إلى شبكات الجيل الخامس المخصصة للهواتف المحمولة.

ويشهد التعاون بين شركات الاتصالات ومزودي ألعاب الإنترنت مثل ألعاب “غوغل ستاديا” و”هاتش” ازدهاراً كبيراً، حيث حققت هذه الخدمات نجاحاً كبيراً وهو ما يوفر فرصاً جيدة لشركات الاتصالات. ويصبح الأمر ممتعاً بشكل أكبر عند نقطة الاتصال بين الشبكة ومنصة الحوسبة السحابية. كما يتزايد الطلب على خدمات الحوسبة السحابية التي توفر استجابة أكبر لتلبية احتياجات السوق، مما يتطلب توفير أجزاء أساسية من خدمات الحوسبة السحابية بالقرب من المستهلكين – أي عند الحافة. وتعمل شركات الاتصالات على تعزيز استثماراتها وشراكاتها في الوقت الحالي لتتمكن من تأدية دور مهم عند الحافة في المستقبل.

أهمية المنصات ونماذج عملها

أياً كانت الخدمات التي توفرها الشركات لجسر فجوة إيرادات الجيل الخامس، ولكن من المتعارف عليه أن المنصات ستؤدي دوراً بالغ الأهمية في كيفية توفير هذه الخدمات. وتشهد المنصات متعددة الاستخدامات أهمية متزايدة إذ ستصبح نموذج العمل السائد في العصر الرقمي. وتوفر هذه المنصات إمكانية تعزيز الإيرادات والقيمة السوقية في وقت قصير وبتكلفة أقل من نماذج الأعمال التقليدية.

وستتزايد أهمية القدرات التي توفرها المنصات الشاملة في تمكين شركات الاتصالات من تعزيز مكانتها من خلال توفير الخدمات الرقمية الجديدة سواء للمستهلكين أو الشركات. وستشمل هذه القدرات نقاط القوة التقليدية للبنية التحتية للاتصالات إلى جانب الإمكانات المتطورة التي توفرها شبكات الجيل القادم المستقلة مثل تقسيم الشبكة والشبكات المخصصة حسب الطلب وشبكات الخدمة الذاتية. وستكون أنظمة دعم الأعمال وأنظمة العمليات في مقدمة هذه القدرات التي سيتم دمجها في المنصة لتوفير حلول شاملة إلى العملاء.

غالباً ما تفضل القطاعات الرئيسية شراء “الحلول” من شركات الاتصالات بدلاً من شراء “خدمات الاتصالات”. لذا، يجب على شركات الاتصالات أن تعمل على تطوير هذه المنصة ومن ثم بناء النظام الإيكولوجي الملائم لتوفير الحلول الشاملة إلى المستخدمين النهائيين من أجل تحقيق النجاح في المستقبل.

أنظمة شركات الاتصالات في المستقبل

يقع على عاتق شركات الاتصالات اتخاذ القرارات الملائمة لتعزيز حضورها في السوق الرقمية. وتتمتع شركات الاتصالات التقليدية بخبرة لا بأس بها في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، فيما لا تمتلك الخبرة الكافية في توفير المنصات وتنمية النظام الإيكولوجي. وإذا لم تسعى الشركات إلى تعزيز خبراتها، ستتراجع قدراتها في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وربما ينتهي بها الأمر إلى شركات اتصالات تعتمد على المؤسسات الكبيرة، مما يؤدي إلى تراجع حضورها في السوق حيث ستعتمد على الشركاء الذين يوفرون خدمات الحوسبة لتوفير البنية التحتية للشبكات والمنصات. وبالتالي فإن الشركات التي ترغب بتوفير مجموعة محدودة من الخدمات غير المتنوعة وبأسعار معقولة قد تشهد تراجعاً كبيراً في سوق الاتصالات.

ويمكن لشركات الاتصالات أن تستثمر في تنمية قدرات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي للحفاظ على مكانتها في مجال الشبكات الافتراضية وخدمات الحوسبة السحابية الطرفية. وقد أطلقتُ على هذه الشركات اسم شركات الاتصالات الانتقالية. وستكون هذه الخطوة مهمة جداً للحفاظ على مكانة الشركة على المدى القصير، ولكن قد لا تكون كافية على المدى الطويل لأن التطور الكبير الذي تحققه القدرات الابتكارية قد يجعل من الصعب على الشركات أن توفر أسعاراً منافسة لشركات الاتصالات التي تعتمد على شركات الحوسبة الكبيرة لتوفير الشبكات والحوسبة الطرفية.

كما يمكن للشركات أن تركز استثماراتها على تطوير المنصات والأنظمة الإيكولوجية لتعزيز قدراتها التنافسية وتوفير أفضل الخدمات. ويمكن أن يسهم هذا النهج في تعزيز حضور الشركات، لا سيما إذا كانت قادرة على الاعتماد على عملائها الحاليين وعلاقاتها والارتقاء بخدماتها إلا أن هذا النهج ينطوي على بعض العوائق. لذا ينبغي على شركات الاتصالات أن تبتكر خدمات ونماذج أعمال جديدة بشكل متواصل لتحقيق الازدهار.

وأخيراً، يمكن لشركات الاتصالات أن تعمل على تنمية قدراتها من خلال الاستثمار في قدرات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والمنصات والأنظمة الإيكولوجية. لذا، لن تحتاج الشركات إلى المال فحسب، بل سيتعين عليها أن تخطط بدقة لتنمية قدراتها وتعزيز عملياتها الداخلية لتتمكن من مواكبة النهج القائم على الحوسبة السحابية ومنافسة الأطراف الفاعلة في القطاع الرقمي. وتمكنت بعض الشركات من التحول إلى شركات اتصالات تعتمد على الحوسبة السحابية، مما يعني أنه يمكنها أن تصبح شركات رقمية رائدة في العقود القادمة.

النتائج

يعتمد مستقبل شركات الاتصالات على قدرتها على تحقيق الأرباح من خلال الجيل الخامس والتحول الرقمي. فإذا تمكنت من التعامل مع هذه التحديات بشكل جيد، يمكن لشركات الاتصالات أن تضمن مكانة مميزة كواحدة من أهم المساهمين في نمو الاقتصاد الرقمي على مدار العقد القادم. أما إذا لم تنجح في مواجهة التحديات فستشهد خسائر كبيرة وتتحول إلى مزود اتصالات تقتصر منافسته على الأسعار. القرارات التي تتخذها الشركات بشأن الاستثمار في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والأنظمة الإيكولوجية ستحدد مكانة الشركة في المستقبل.

اخر الأخبار

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com