حدد الصفحة

التزام كندا بالقانون الدولي وحقوق الانسان على المحك في قضية الصينية مينغ وانزهو

التزام كندا بالقانون الدولي وحقوق الانسان على المحك في قضية الصينية مينغ وانزهو

تعتبر كندا دولة ديمقراطية متعددة الثقافات تتمتع بمكانة عالمية في مجال التزامها في الدفاع عن حقوق الإنسان. وتعمل سياسة كندا ضمن إطار ديمقراطية برلمانية ونظام فيدرالي اتحادي للحكومة البرلميانية الكندية ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة. لذلك تعتبر مقصداً للمهاجرين من كل حد وصوب لتعاملها مع قضايا الهجرة والمهاجرين وفق أعلى معايير حقوق الإنسان على مستوى العالم. 

تنطوي العلاقات الأمريكية الكندية على علاقات التعاون الثنائي. ورغم حيوية العلاقات مع الولايات المتحدة بالنسبة لكندا، درج الكنديون على اختطاط طريقهم الخاص في السياسة الدولية. وأظهر استطلاع للرأي أُجري في 2018 انخفاض موافقة الكنديين للقيادة الأمريكية بنسبة تزيد عن 40% في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب. وقبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أوضح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأن العلاقات مع الولايات المتحدة لم تكن سهلة في السنوات الأربع الأخيرة. 

 العديد من المراقبين للسياسة الخارجية الكندية يرون بأن كندا لطالما كانت حليفة للولايات المتحدة على الرغم من أن ذلك أضعف موقفها أحياناً، وأثر على مكانتها كأفضل الديمقراطيات في العالم. فمنذ توليه منصبه، أخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ينتهك سياسات كندا التجارية بشكل روتيني واصفاً إياها بـ”العار” و”غير العادلة” حتى أخذ الخلاف على المستوى الشخصي بمهاجمة ترودو، دون صدور أي موقف رسمي صارم تجاه ذلك من قبل الحكومة الكندية. 

مؤخراً صرح وزير الخارجة الكندي عن تنفيذ خطة مع الإدارة الأمريكية الجديدة وقال أن: “من أولوياتنا أن نرى كيف يمكننا العمل معاً وكيف يمكننا مواجهة التصعيد في وجه الدبلوماسية القسرية” (في إشارة منه لدبلوماسية الصين) التي تضرر منها كنديان ولايزالان محتجزين بشكل تعسفي لأكثر من 700 يوم. وأن “الطريقة الوحيدة لإعادة رسم علاقاتنا مع الصين هي القيادة الأمريكية بدعم من مجموعة السبع وحلفائنا المهمين، وبهذا أعتقد ان الصينيين سيستمعون إلينا”.  

في المقابل، يُعتبر طلب تسليم مينغ وانزهو المديرة المالية لشركة هواوي وإبنة مؤسسها ورئيسها التنفيذي المحتجزة في كندا لأكثر من عامين اختباراً لالتزام كندا بالتعددية واحترام القانون الدولي في مواجهة قوة عظمى تتجاوز سلطتها القانونية. وفي ظل الإدارة الجديدة للولايات المتحدة، ينتظر المجتمع الدولي أن ترتفع كلمة حقوق الإنسان مجدداً، سيما في كندا بهذه القضية وكافة القضايا المشابهة، بعيداً عن ضغط السياسة وتدخلاتها. 

وصلت مينغ وانزهو إلى مدينة فانكوفر في 1 ديسمبر 2018 على متن طائرة. ولم تكن تعلم أن الأمور ستتخذ منحى خطير لدرجة منعها من العودة لحياتها الطبيعية في وطنها وانتهاك حقوقها الأساسية والقوانين الدولية على مدار أكثر من عامين بناءً على طلب اعتقال صادر عن الولايات المتحدة.

عندما غادرت مينغ طائرتها تم توقيفها من قبل وكالة خدمات الحدود الكندية بذريعة إجراء “تفتيش روتيني”. وعلى مدار ثلاث ساعات، استجوبوها وصادروا وفتشوا أمتعتها وأجبروها على تسليم أجهزتها وكلمات المرور الخاصة بها. وقامت وكالة الحدود بهذه الإجراءات قبل تنفيذ أمر اعتقالها أو حتى إبلاغها بأمر التوقيف الصادر بحقها. وعلى الأراضي الكندية ذات الصيت الشهير بحماية حقوق الإنسان، لم تحصل مينغ على حقوقها الأساسية بشكل رسمي كحق إبلاغها بسبب اعتقالها والتزام الصمت والاستعانة بمحامٍ والتحدث إليه على انفراد.

وكالة خدمات الحدود الكندية متهمة بالتواطؤ مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي على جمع ما يمكن من المعلومات من مينغ ليستفيدوا منها في قضيتهم، والإجراء الذي قامت به يخالف الميثاق الكندي لحقوق الانسان باعتبار أن مينغ مواطنة صينية ليس لها أي سجل جنائي سابق، وهذا انتهاك يراه العديد من المحللين الدوليين ليس إلا استكمالاً لحملة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب الضغط على الصين والتضييق على شركة هواوي الصينية.

التهم التي وجهتتا الولايات المتحدة لمينغ وانزهو هي تضليل بنك “إتش إس بي سي” بشأن أنشطة هواوي التجارية في إيران، التي نفتها مينغ جملةً وتفصيلاً، ولكن الولايات المتحدة قدمت طلباً إلى السلطات الكندية لتسليم مينغ وتم اعتقالها في 1 ديسمبر 2018. 

على مدار أكثر من عامين، أوضح محامو مينغ أمام المحاكم الكندية أن تسليمها إلى الولايات المتحدة لتواجه تهماً جنائية هناك هو إجراء ينتهك القانون الدولي، حيث تستند مطالبة الولايات المتحدة بتسليم مينغ إلى أن بنك “إتش إس بي سي” استخدم أحد فروعه في الولايات المتحدة بشكل مستقل لإجراء تعاملات تجارية بالدولار الأمريكي لصالح أحد عملائه. وتتخذ الحكومة الأمريكية موقفاً من جانب واحد ينص على أن التعامل مع إيران بالدولار الأمريكي ينتهك العقوبات الأمريكية حتى لو بدأت التعاملات الأساسية وانتهت خارج الولايات المتحدة ولم يكن لها أي صلة بها. ويرى العديد من الخبراء أن هذه السلطة القانونية التي تفرضها الولايات المتحدة لا أساس قانوني لها، وأنها تخالف بشكل صريح القانون الدولي.

يتضح من قضية مينغ والآثار الناتجة عنها التي استمرت لأكثر من عامين حجم التحديات السياسية التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الحالي وتطرح العديد من التساؤلات عن مدى التزام كندا وغيرها من الدول بالقانون الدولي في وجه الضغوط السياسة. 

في قضية مينغ، استغلت إدارة ترامب نفوذها للتأثير على جهات أجنبية خارج حدودها، فهل يحق للولايات المتحدة المطالبة بتسليم مينغ لمحاكمتها طالما أن القضية المرفوعة ضدها لا صلة لها بالولايات المتحدة! يبدو أن إدارة ترامب تجاوزت حدود سلطاتها القضائية وبحسب المتخصصين يمكن اعتبار تصرفها غير قانوني بموجب القانون الدولي. وإذا قامت كندا بتسليم مينغ فإنها لن تكون متواطئة مع الولايات المتحدة فحسب، بل إنها تنتهك قوانينها المحلية والقوانين الدولية.

مينغ تحت الإقامة الجبرية لأكثر من عامين بوجود حراسة مشددة لمراقبة تحركاتها. وتلقت وعائلتها العديد من التهديدات بالقتل، وتم إرسال طلقات نارية لها عبر البريد. وحققت شرطة فانكوفر في هذه الأدلة وشهدت في المحكمة على ذلك. فهل هذا مبرر في قاموس حقوق الإنسان الكندي.

هل يحمل اعتقال مينغ دوافع سياسية! الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد أصدر أمراً تنفيذياً يحظر هواوي من سوق الاتصالات الأمريكية، ومنع كافة الشركات من التعامل معها، ثم مارس ضغوطاً على العديد من الدول لتحذو حذوه، وهو أمرٌ تفاخر به بشكل علني عبر الإعلام وفي خطاباته العامة. واستهدفت تلك الإجراءات هواوي لنجاحها في نشر تقنيات الجيل الخامس في الوقت الذي لا يوجد فيه شركة أمريكية نجحت بريادة هذه التقنية. وبالنسبة للعديد من المراقبين، ما اعتقال مينغ في كندا إلا مزيداً من الضغط على الصين وشركة هواوي، سيما أن مينغ هي ابنة مؤسسها ورئيسها التنفيذي.

بالنظر إلى ما سبق، إذا قامت كندا بتسليم مينغ إلى الولايات المتحدة فسيكون هناك إشارة استفهام كبيرة حول خرق كندا للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كما أنها ستنتهك بذلك قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر العقوبات المفروضة من جانب واحد والتي تتجاوز الحدود الإقليمية مخالفةً للقانون الدولي. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتوقف السياسة يوماً عن التدخل بأمور كثيرة وأهمها القضاء؟

عن المؤلف

زامل صفوان

كمهندس اتصالات مخضرم ذو خلفية متنوعة، أجلب خبرة واسعة إلى مجال أخبار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تتجاوز خبرتي حدود الاتصالات التقليدية، ممتدة إلى مجالات التحول الرقمي، الإعلان عبر الإنترنت، التجارة الإلكترونية، والشركات الناشئة. أمتلك روحاً ريادية قوية، معززة بفهم عميق لقطاع التكنولوجيا المالية، حيث تلتقي التكنولوجيا بالمالية. تتيح لي هذه المزيج الفريد من المهارات تقديم وجهات نظر ثاقبة ومستنيرة حول تقاطع الأمور المالية والتكنولوجيا والاتصالات في المشهد الرقمي المتطور بسرعة.

اخر الأخبار

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com